هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وعنه أيضاً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وأخيراً عنه أيضاً قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
موضوع: سيرة كـــــامله ومفصله لــــ\ فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الثلاثاء ديسمبر 14, 2010 8:05 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
وأما حديثنا عن فاطمة - رضي الله عنها - فحديث عذب يرقق القلوب ، ويذكّر بالمعاني الإيمانية اللازمة لنا ، ونحن نمر ها هنا مروراً وجيزاً بقدر ما يتسع له المقام ونبدأ في محطات مختلفة: أولها: الحسيبة النسيبة. وثانيها: الوليدة الجديدة. وثالثها: الزوجة الأثيرة. ورابعها: الشبيهة الحبيبة. وخامسها: الصابرة العظيمة.
ثم نقف وقفات لابد منها مع الأفهام الخاطئة والأفكار الزائغة ، التي تفسد علينا كثيراً من هذه المعاني الفاضلة والآثار الحميدة. أولاً: الحسيبة النسيبة عمن نتحدث؟ من هذه الشخصية؟ التي نتجاسر على أن نذكرها ونمر على سيرتها ، ونشنف الآذان بذكرها ، ونعطر الأنوف بعبق ريحها الطيب الأخّاذ ، ونملأ القلوب بمعاني الإيمان في مواقفها العظيمة ومآثرها الجليلة .. من هذه الشخصية؟ والناس يبحثون عن الأحساب والأنساب فهل ثمة حسب أو نسب يمكن أن يضاهي ما لفاطمة رضي الله عنها؟ من أبوها؟ محمد بن عبد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين حسب الشرف كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله نظر إلى بقايا العرب والعجم فمقتهم جميعا إلا بقايا من أهل الكتاب) ، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فاصطفى العرب واصطفى كنانة من العرب ثم اصطفى قريشاً من كنانة ثم اصطفى بني هاشم من قريش ، ثم اصطفاني من قريش ، فأنا خيار من خيار من خيار) ذلك هو صلى الله عليه وسلم وأما حسب الدين فمن مثله عليه الصلاة والسلام؟ { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ }[الأحزاب: من الآية40]. { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }[ الفتح: من الآية29]. وأما حسب الخلق فحسبك: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم:4]. فمن مثل أبيها صلى الله عليه وسلم ؟
وإن جنحنا إلى أمها فخديجة بنت خويلد ، وما أدراك ما خديجة بنت خويلد ! أم المؤمنين وأول أزواج الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -لم يجمع معها غيرها ولم يتزوج إلا بعد وفاتها ومن هي في حسبها وشرفاً، دينا وخلقا ونسبا ؟ هي الشريفة المعروفة في حسبها ونسبها - رضي الله عنها - وأما حسب الدين فهي أول من آمن بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم .. هي أول من تلقى خبر الوحي هي أول من كان المثبت المعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جاء يرجف فؤاده فقالت: (كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فوالله لا يخزيك الله أبدا). من هي؟ جاء جبريل عليه السلام إلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يقول له: (إذا أتتك خديجة فاقرأ عليها السلام من ربها ومني ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب) ، رواه البخاري والترمذي. واحدة من قلائل النساء الكمّل في هذه الدنيا ، لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد.. ) . ولو ذهبنا نمضي في هذا لوجدنا كثيراً وكثيراً قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم (خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة بنت خويلد). وروى البزار والطبراني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين).
ولنمض لننظر إلى زوجها ، فارس الفرسان ، أول المسلمين من الفتيان ، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. علي بن أبي طالب ، الفارس المغوار ، الشجاع البطل الهمام المكي - رضي الله عنه وأرضاه - قال أبو رافع : ( أول من أسلم من الرجال علي وأول من أسلم من النساء خديجة ) رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ! إلا أنه لا نبي بعدي). قال الذهبي رحمه الله في مقدمة ترجمة فاطمة رضي الله عنها : " سيدة نساء العالمين في زمانها ، البضعة النبوية ، والجهة المصطفوية ، بنت سيد الخلق رسول الله أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية أم الحسنين رضي الله عنها وأرضاها" .
ونعيش هذه المعاني وقد خفق بها قلب إقبال الشاعر الكبير وهو يقول: نسب المسيح بنى لمريم سيرة **** بقيت على طول المدى ذكراها والمجد يشرق من ثلاث مطالع **** في مهد فاطمة فما أعلاها هي بنت من؟ هي زوج من؟ هي أم من؟ **** من ذا يداني في الفخار أباها هي ومضة من نور عين المصطفى **** هذي الشعوب إذا تروم هداها ولزوج فاطمة بسورة هل أتى **** تاج يفوق الشمس عند ضحاها أسد بحصن الله يرمي المشكلات **** بصيقل يمحوا سطور دجاها في روض فاطمة نما غصنان لم **** ينجبهما في النيرات سواها فأمير قافلة الجهاد وقطب **** دائرة الوئام والاتحاد ابناها هي أسوة للأمهات وقدوة **** يترسم الفجر المنير خطاها لما شكا المحتاج خلف رحابها **** رقت لتلك النفس في شكواها جادت لتنقذه برهن خمارها **** يا سحب أين نداك من جدواها فمها يرتل آي ربك بينما **** يدها تدير على الشعير رحاها رضي الله عنها وأرضاها.
ثانياً: الوليدة الجديدة ولدت رضي الله عنها - كما ذكر ابن سعد في الطبقات- وقريش تبني البيت ، وذلك قبل نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: " والذي تسكن إليه النفس على ما تواترت به الأخبار ترتيب بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - أن زينب الأولى ، ثم الثانية رقية ، ثم الثالثة أم كلثوم ، ثم الرابعة فاطمة الزهراء " . وقال ابن حجر في الإصابة: " ولدت فاطمة والكعبة تبنى والنبي ابن خمس وثلاثن سنة " ، وبهذا جزم المدايني ، قال ابن حجر:" وهي أسن من عائشة بخمس سنين " .
وأما الزهراء فهو وصف لم يذكر في شيء من أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لكنه ذكر في تراجمها غلبة لهذا المعنى ، الذي هي أشبه به رضي الله عنها . قال صاحب التاج: " الزهراء المرأة المشرقة الوجه ، والبيضاء المستنيرة ، المشربة بحمرة " . والزهراء البقرة الوحشية ، ومعلوم أنهم يضربون بها المثل في الجمال ، كما قال قيس بن الخطيم: تمشي مثل الزهراء في دمث **** الروض إلى الحزن دونها الجرف والزهراء كذلك السحابة البيضاء ، التي تبرق وتستنير بذلك البرق . فهذا عن ولادتها - رضي الله عنها - فهي أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه كما سيأتي ذكره.
ونمضي الآن إلى صورة واسعة هي أوسع الصور فيما ورد من ترجمة فاطمة رضي الله عنها: ثالثاً: الزوجة الأثيرة. ليكون درسا للآباء والأمهات والبنات وللأمة كلها كيف يكون الزواج ؟ وكيف يكون المهر ؟ وكيف تكون الحياة ؟ وكيف يكون تدبير الأمور ؟ ونحن اليوم نعاني ما نعاني من هذه المشكلات التي أورثت خللا في المجتمعات والتي ساعدت على شيوع المعاصي وكثرة السيئات وقللت من الحصانة والعفة وغير ذلك مما نعلمه. أما خطبتها: فقد كانت على ما رواه ابن سعد في الطبقات جاءت بتدرج وببيان ؛ لمكانها ومقامها - رضي الله عنها - فقد روى أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا أبا بكر انتظر بها القضاء ، وخطبها عمر ، فقال له : انتظر بها القضاء ، ثم قال بعضهم لعلي : اخطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ! فقال : بعد أبي بكر وعمر ! فذكروا له قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبها فزوجه النبي إياها). وفيما رواه الطبراني بسند رجاله ثقات عن حجر بن عنبس قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي : هي لك يا علي لست بدجال - أي لست بكذاب - قال الشراح وذلك أنه قد وعد علياً بها قبل خطبة أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين.
وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاورها واختار لها عليا ربيبه ، الذي تربى في حجره وعلى نظره ، وكان علي يقول: " صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضع سنين لا أصلي إلا أنا وهو " ، يعني قبل أن يفشو الإسلام ، وقبل أن تظهر الجماعة ، وقبل أن يكون دار الأرقم وغير ذلك .. يقول ابن سعد في الطبقات: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة : إن عليا يذكرك - يعني يخطبك - فسكتت ، فزوجها النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيما جاء من خطبة علي رضي الله عنه فيما رواه بريدة قال : قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال: ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال: يا رسول الله! ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحباً وأهلاً، لم يزد عليهما، فخرج علي بن أبي طالب على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي : مرحباً وأهلاً، فقالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما، أعطاك الأهل والمرحب، فلما كان بعد ذلك، بعدما زوجه قال: يا علي إنه لا بد للعروس من وليمة.
هذه خطبتها - رضي الله عنها وأرضاها - وعندما تزوجها علي - كما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب - كان عمرها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ، وكان عُمر علي واحد وعشرون عاماً على الصحيح في هذه الروايات ، وكان هذا الزواج في رجب ، بعد ما كان من شأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومقدمه المدينة بنحو خمسة أشهر ، ثم بنى بها - يعني دخل بها - بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدر ، وأخطأ من قال أن البناء كان يوم أُحد ، وأن القصة فيها أن حمزة رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم ذبح شارتين في وليمة عرس علي رضي الله عنهم أجمعين. هذه خطبة فاطمة رضي الله عنها فكيف جُهزّت؟ وما كان مهرها؟ وكف كانت وليمتها؟ وكيف كان بيتها وجهازها؟ ثم كيف كانت عيشتها ومسيرتها في حياتها؟ أما المهر فالروايات متكاثرة ؛ لأنه عندما خطب علي - رضي الله عنه - وتقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والله ما لي من شيء ، فقال: وكيف؟ قال: فذكرت صلته وعائدته علي ـ يعني فضل النبي عليه السلام عيه ـ فتجرأت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما تصدقها؟ قال: يا رسول الله ما عندي ما أصدقها ، كما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب قال: " ولم يكن يومئذ صفراء ولا بيضاء " ، لا ذهب ولا فضة عند علي ولا عند غيره إذ ذاك في أول الهجرة ، ما زال المسلمون في شدة كبيرة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أين درعك الحطمية؟ هي درع أعطاها له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نسبة إلى بطن حطم بن محارب كانوا مشتهرين بصناعة الدروع وقيل: الحطمية التي تحطم السيوف ، وقيل: الثقيلة الحصينة، قال: هي عندي يا رسول الله قال: أصدقها إياها ، فباعها بأربعة وثمانين درهماً فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاها بلال ، وقال: ( اجعلوا ثلثيها في الطيب ، وثلث في المتاع ) ، وهذا من فقه النبي - صلى الله عليه وسلم ومعرفته - بطبائع النساء .. اجعلوا ثلثيها في الطيب وثلث في المتاع واللباس وغير ذلك ، فهذا كان مهر سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها وأرضاها. فما بال من يغالون في مهور بناتهم أيظنون ذلك منقبةً وشرفاً؟ أيظنونه تعظيماً لبناتهم؟ لوكان ذلك كذلك لكان الأحق به بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكنت أخبر بعض الأخوة أنه عقد في هذا الأسبوع ، وكنت أكتب هذا العقد لأصحابه فرأيت عقداً قبله والمهر مسطور فيه بمائة ألف فقلت : سبحان الله وما ينفع ذلك أو يفيد ، ونرى أننا بهذا نسد كثيراً من أبواب الحلال ، ونفتح أبواباً ونيسر طرقا للحرام ، وقد نكون بذلك آثمين ، وقد يكون الآباء في هذا من يعضلون بناتهم ، وممن يكون عليهم وزر في هذا إذا فاتها قطارها وتأخر عنها حظّها من بعد .. هذه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم هذا مهرها. أما جهازها ، فقالت أم أيمن: " ولّيت جهازها ، فكان فيما جهزتها به مرفقة من أدم ـ من جلد ـ حشوها ليف وبطحاء مفروش في بيتها ". هذا هو الفراش الوثير الذي كان في بيت فاطمة رضي الله عنها. فقد وردت روايات كثيرة في هذا المنى ، حتى إنهم جاءوا بهذا التراب والحصى ليفرش في هذا البيت كأنما هو توطئة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بعث مع فاطمة بخملة ووسادة أدم حشوها ليف ورحاءين وسقاء وجرتين . كم هي هذه الثروة عظيمة ؟ وكم هي موجودة في هذا البيت؟ كأنما هو قصر عامر وهو كذلك عامر بالإيمان والتقوى ، وما كان حشو فراشهما وسائدهما إلا الليف ، بل قد ورد أن من صداقها أنه كان لهم جلد لخروف ، إذا ناموا جعلوه على جهة الصوف وإذا احتاجوه لفوه من جهة الجلد ، وهذا يدلنا على البساطة ، و رواية أم أيمن مروية من الطبراني وإسناده رجال الصحيح.
لننظر إلى هذه المعاني من كانت هذه مقدمتها في خطبتها وفي مهرها وفي جهازها فأي شيء تكون عيشتها؟ وعلى أي صورة تكون حياتها؟ هل فيها مثل ما عندنا؟ أو ما عند نسائنا؟ لابد أن يكون المسكن فيه كذا من الغرف ولابد أن يكون فيه غرفة للنوم ، وأخرى للطعام ، وثالثة للجلوس ورابعة لكذا وكذا ، وخامسة لكذا .. ولابد.. ولابد.. كأنما يريد أن يسكن في جنة قبل جنة الآخرة . ولا نقول هذا - ونحن نعرف أوضاع الحياة الاجتماعية - تحريماً له ، لكن إذا وجد ما يقتضي التنازل عنه مما هو خير ومما هو في جمع بين زوجين صالحين فالعاقل من يسمع لذلك ويتأسى بخير خلق الله عليه الصلاة والسلام ، ولتكن ابنته في شرفها وفخرها أنها كان لها أثر من فاطمة أو غير فاطمة من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم. أين كان سكنها؟ وكيف عاشت؟
في رواية ابن سعد في الطبقات عن أبي جعفر لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل منزلاً فطلب علي منزله حتى يسكن فاطمة فيه ، وبنى بها فى بيت أمه فاطمة بنت أسد وكان ذلك بعيدا عن بيت رسول الله وكانت تتمنى أن تكون من السكن بقرب أبيها وسرعان ما تحقق أملها فقد جاءها النبى قائلا : " إنى أريد أن أحولك إلىّ " ، فقالت لرسول الله : فكلم حارثة بن النعمان أن يتحول وأكون إلى جوارك . فبلغ ذلك حارثة فتحول وجاء إلى النبى فقال : يا رسول الله إنه بلغنى أنك تحول فاطمة إليك وهذه منازلى وهى أقرب بيوت بنى النجار بك وإنما أنا ومالى لله ولرسوله والله يا رسول الله المال الذى تأخذ منى أحب إلىّ من الذى تدع . فقال له الرسول: " صدقت بارك الله عليك " فحولها رسول الله إلى بيت حارثة . وهكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فتحولت إلى جوار أبيها عليه الصلاة والسلام. وماذا من بعد أيها الأخوة الأحبة؟
فاطمة وعلي ومن هما فاطمة وعلي؟ خذوا هذه اللوحة المعبرة المؤثرة في هذه الحياة الزوجية. أقبل علي ذات يوم على فاطمة ودخل وهو منهك متعب مجهد من طبيعة الحياة وشدتها وكسب العيش وكده فقال: والله لقد سنوت حتى قد اشتكيت صدري ، السانية هي البعير الذي يستقى به الماء كان علي يسقي الماء عن طريق الناقة أو أحيانا بنفسه قال: قد سنوت حتى قد اشتكيت صدري وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه، (اطلبي خادماً ) فقالت : أنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي - والمجل هو ثخن الجلد ووجود البثور فيه من كثرة ما كانت تطحن الشعير رضي الله عنها وأرضاها - فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما جاء بك وما حاجتك أي بنية ؟ قالت : جئت لأسلم عليك ، واستحيت أن تسأله فرجعت . فقال علي : ما فعلت ؟ قالت : استحييت أن أسأله . فأتياه جميعاً فقال علي : يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري وقالت فاطمة : لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله - عز وجل - بسبي وسعة فأخدمنا، فماذا قال القدوة العظمى صلى الله عليه وسلم ؟ (ثوالله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أمانها) ، هناك أولويات هؤلاء يريدون خادما وفي المسلمين من أهل الصفة من لا يجد طعاما ، لكن هل قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم لا تغمره الرحمة والشفقة على ابنته وفلذة كبده؟ بلى كان ذلك في نهار ذلك اليوم ، وإذا بالرسول في مسائه وليله يأتي إليهما ويطرق عليهما بابهما وقد دخلا في كسائهما ، وعليهما فرش إن غطيا الرأس بدت الأقدام ، وإن غطيا الأقدام بدا الرأس ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرادا أن يقوما قال: مكانكما ، ألا أخبركما بخير مما سألتماني ؟ قالا: بلى: فقال : ( كلمات علمنيهن جبريل : تسبحان الله دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان عشرا ، وتكبران عشرا ،وإذا أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثة وثلاثين ،وتحمدان ثلاثة وثلاثين ،وتكبران أربعا وثلاثين فذلك خير لكما من خادم ) قال علي: فما تركتها مذ سمعتها، فقال ابن الكواء قال: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
انظروا إلى هذه الصورة علي يشقى وفاطمة تتعب والسبي موجود ، والأمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكنه يريد لأحب أحبابه وأقرب المقربين إليه ما هو الأفضل والأكمل يريد لهما خادماً في الدنيا وإنما خادماً في الجنة ، يريد عمران الدار الآخرة قبل عمران هذه الدار ، ولذلك صرفهما إلى عبادة ، لكنه كان يدل على أن في قلبه من الشفقة والرحمة ما جعله لا ينسى طلبهما ولا ينسى أن ما قاله لهما ربما أدخل إلى نفوسهما شيءٌ من هم أو غم فمسح ذلك بقدومه عليهما وإيناسه لهما ، وتقديمه الخير لهما عليه الصلاة والسلام. صورة أخرى ؛ لنرى ما يدور في بيوتنا من المشكلات بين الزوجات وأمهات الأزواج حتى أصبح هذا الباب من الأبواب ، باب تسطر فيه الأقلام وتمثل فيه التمثيليات والمشاهد كما نسمع بل وتضرب فيه الأمثال هذه رواية ابن عبد البر يذكرها في الاستيعاب عن ابن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمر بن مرة عن أبو البختري قال: قال علي لأمه : اكفي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخدمة خارجاً وسقاية الماء والحاج ، وتكفيك العمل في البيت والعجن والخبز والطحن . في صورة من بر الأم ورحمة الزوجة وألفت الأسرة الواحدة بعيداً عن الخصومات والنزاعات والمكائد التي تحفل بها كثير من البيوت من خلال ما يتسرب إلينا من الأفكار الدخيلة ، والمضامين التي تبث عبر كثير من الوسائل والطرق مكتوبة ومرئية ومسموعة إلى غير ذلك.
هذه ومضات من الحياة الزوجية لتلك الزوجة الأثيرة رضي الله عنها وأرضاها وأحسب أن فيما نذكره من العبرة ما يغني عن كثير التعليق والتفريغ من كلامنا وقولنا ، فحسبنا بهذه العظيمة الشريفة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كان مهرها درعاً ، وأن كان فراشها أدما حشوه ريش ، وأن كان تجهيز بيتها سقاءين ولحاءين وإن كانت معيشتها أن تخدم بنفسها وأن تقوم بحق زوجها رضي الله عنها وأرضاها.
رابعا: الشبيهة الحبيبة شبيهة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. روت عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا وهديا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة ، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكانت إذا دخل عليها قامت إليه وأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مجلسها) رواه أبو داوود في السنن. وفي رواية عند البخاري في الصحيح تخبر فيه عائشة بما كان من آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: (إنا كنا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عنده جميعاً لم تغادر منا واحدة فأقبلت فاطمة تمشي ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها رحب بها وقال: مرحبا بابنتي). وفي حديث مسور بن مخرمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني) رواه البخاري في الصحيح. والبضعة القطعة من اللحم وفي رواية هذا الحديث في الصحيح أيضا : (مضغة مني) ، أي قطعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان - عليه الصلاة والسلام- ينص على ذلك ويذكره ، وكانت عائشة - رضي الله عنها - حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبصر الشبه ، وتدرك المقام ، وتعرف الصلة ، وتدرك خفقات قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابنته الحبيبة الأثيرة رضي الله عنها.
وهذا ابن عباس - رضي الله عنه - يروي أن المصطفى - عليه الصلاة والسلام - دخل على علي وفاطمة رضي الله عنهما وهما يضحكان ، فلما رأيا النبي عليه الصلاة والسلام سكتا ، فقال لهما عليه الصلاة والسلام: (ما لكما كنتما تضحكان فلما رأيتماني سكتتما؟ فبادرت فاطمة فقالت: بأبي أنت يا رسول الله قال : هذا _تعني عليا _ أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ، فقلت: بل أنا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال: يا بنية لك رقة الولد وعلي أعز علي منك) ،وهذا من بديع قوله وفصيحه ، ومن حسن مأخذه عليه الصلاة والسلام : (لك رقة الولد وعلي أعز علي منك) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وفي رواية مسور الأخرى : (فاطمة شبنة مني ، يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها وإنه تنقطع يوم القيامة الأنساب إلا نسبي وحسبي ) ، أوكما قال عليه الصلاة والسلام والحديث أيضا رجاله ثقات كما ذكره الهيثمي في المجمع. وفي حديث عمران بن حصين كذلك ما يدل على ذلك ، قال عمران: إني لجالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبلت فاطمة فقامت بحذاء النبي صلى الله عليه وسلم، يعني في إزائه مقابلة له ، فقال: (ادني يا فاطمة فدنت دنوة ثم قال: ادني يا فاطمة فدنت دنوة فقال: ادني يا فاطمة فدنت دنوة حتى قامت بين يديه قال عمران: فرأيت صفرة قد ظهرت على وجهها وذهب الدم من شدة الجوع وشظف العيش ، قال: فبسط النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصابعه ثم وضع كفه بين ترائبها، أي عظام صدرها فرفع رأسه وقال: اللهم مشبع الجوعة وقاضي الحاجة ورافع الوضعة لا تجع فاطمة بنت محمد، قال عمران: فرأيت صفرة الجوع قد ذهبت عن وجهها وظهر الدم ثم سألتها بعد ذلك فقالت: ما جعت بعد ذلك يا عمران ) رواه الطبراني في الأوسط وفيه عتبة بن حميد وثّقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات. وهذا يدلنا على مكانتها ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لها ، وحسبنا بذلك منقبة وفضيلة وشرفاً وعزاً وكرماً لا يدانيها فيها غيرها كما سيأتي في تعليل ذلك.
وفي حديث أبي ثعلبة الخشني ، وقد رواه ابن عبد البر في الاستيعاب قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم يأتي فاطمة ثم يأتي أزواجه " ، لمَ ؟ لأنها وحيدة بناته التي بقيت رضي الله عنها وأرضاها. وهذا ابن سعد في الطبقات يروي عن ابن أبي ثابت قال: "كان بين علي وفاطمة كلام فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم _ يعني شيء من الخلاف _ فألقوا له شيئا فاضطجع عليه فجاءت فاطمة فاضطجعت من جنب وعلي فاضطجع من جنب فأخذ رسول الله بيده ويدها فوضعها على سرته ثم أصلح بينهما وخرج - عليه الصلاة والسلام - فقيل: دخلت وأنت على حال وخرجت ونحن نرى البشر في وجهك ، قال: وما يمنعني وقد أصلحت بين أحب اثنين إلي . هكذا كانت فاطمة - رضي الله عنها - شبيهة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبيبة إلى قلبه ، وكانت مضرب مثله ، ومضرب المثل لا يكون إلا في العزيز القريب الأثير ، ألم يقل عليه الصلاة والسلام: ( يا فاطمة بنت محمد اعملي لا أغني عنك من الله شيئا) ؟ لِمَ خصها بالذكر؟ لقربها وحبها .. ألم يقل عليه الصلاة والسلام يوم قصة المخزومية: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)؟ إنه يدل على تعظيمه ومحبته لها عليه الصلاة والسلام.
وذكر ابن حجر في الإصابة عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: " كانت فاطمة أصغر بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحبهن إليه " ، وسئلت عائشة رضي الله عنها ، كما روى الترمذي في سننه بسند حسنه ، قيل لعائشة : أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة قيل: فمن الرجال؟ قالت زوجها إن كان كما علمت صواما قواما ، وتكلم الذهبي في السير على صحة هذا الحديث وإن كان قد حسنه الترمذي ورواه الحاكم وصححه. وفي حديث بريدة عن النبي عليه السلام : " كان أحب النساء إلى رسول الله فاطمة ، ومن الرجال علي " ، قال إبراهيم النخعي: يعني من أهل بيته ورواه الترمذي كذلك.
ولعلنا نتساءل هنا لماذا كانت لفاطمة هذه الخصوصية التي حظيت بها رضي الله عنها وأرضاها؟ وهناك إجابة طويلة لكن لابد من ذكرها مع الإيجاز: أولا: لأن لها كنية فريدة وليس المقصود الكنية وإنما معنى كنيتها التي ذكرها الذهبي وابن حجر وغيرهم من العلماء كانت تكنى بـ " أم أبيها " ، ولا أعرف أحدا من النساء لها كنية أنها أم أبيها هي ابنته ولكنها تكنى بأنها أم أبيها لِمَ كان ذلك كذلك؟ لأسباب كثيرة .. فاطمة رضي الله عنها أصغر بناته وكانت بعض بناته قد تزوجن وبنتاه الأوليان كانتا متزوجتين من ابني أبي لهب عم النبي عليه الصلاة والسلام في الجاهلية قبل الإسلام ، وتلك مزوجة من العاص لم يبق مع النبي إلا فاطمة كانت تشهد ما يلقى النبي - عليه الصلاة والسلام - من الأذى والصد والإعراض من قريش ، وكانت معه عليه الصلاة والسلام في هذه المواقف - كما سيأتي معنا - وكانت كذلك عندما مضى النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة لم يكن عنده زوجة ، فمن كان يخدمه من كان في بيته ؟ من كان يقوم بشأنه من ؟ كان يعد طعامه ؟ من كان يهيأ له أحواله ؟ ابنته أم أبيها - رضي الله عنها وأرضاها - ولذلك كانت قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرفت بهذه الكنية الفريدة.
الأمر الثاني: الذرية الحبيبة ؛ فإنه قد قضت حكمة الله - عز وجل - أن ينقطع نسل بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن لا يبقى أبناؤه ، فلم يبق نسل متصل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من فاطمة رضي الله عنها وأرضاها . ونعلم كيف كان النبي يحب الحسن والحسين ، وكيف كان يحني ظهره فيرتحله الحسن والحسين فيقول: (نعم الراكبان أنتما ونعم الجمل جملكما) ، وكيف كان النبي - عليه الصلاة والسلام - عندما جاء الحسن والنبي يخطب في المسجد فعثر في مرطه ، فنزل النبي - عليه الصلاة والسلام - فأخذه نزل من منبره وأخذه وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يسمي الحسن والحسين إلا بابني وكانا يدعوانه يا أبت ، ففاطمة - رضي الله عنها - أبقت لنبي الله - عليه الصلاة والسلام - بفضل الله - جل وعلا - أن يقال له : أب وأن يقول هو لهؤلاء أنهم أبناؤه فكانت له قريبة.
والثالث: الصحبة الطويلة ؛ فإن أخواتها من بنات رسول الله - عليه الصلاة والسلام - تتابعت وفاتهن وتقدمت ، وبقيت هي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - دهراً طويلاً .. نعرف أن رقية شُغل بها عثمان في يوم بدر ، وأن أم كلثوم توفيت بعد ذلك في العام التاسع من الهجرة ، ولم يبق إلا فاطمة - رضي الله عنها - فصحبت رسول الله - عليه الصلاة والسلام - حتى توفي عنها ولفظ أنفاسه الأخيرة إلى الرفيق الأعلى وهي في هذه الحياة رضي الله عنها وأرضاها. فهذه صفحة من صفحات حياتها في شبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه إياها .
ثم ننتقل إلى صفحة أخرى وهي: خامسا: الصابرة العظيمة وعندنا في ذلك كثير وكثير من المناقب لفاطمة رضي الله عنها ؛ لنرى قدوة للنساء .. نساؤنا اليوم من أدنى عارض تجزع وتصيح وتتراجع ولا تكاد تحتمل شيئاً ، أما فاطمة فهذه محطات من الابتلاء مرت فيها بنجاح منقطع النظير . أولها: أذى الأب الرسول عليه الصلاة والسلام وكلنا نعرف القصة الشهيرة المروية في السيرة، لما ائتمر أبو جهل ومن معه من سفهاء قريش برسول الله -صلى الله عليه وسلم - قالوا: إذا سجد فضعوا سلا الجزور على رأسه وهو ساجد، وقام أشقى القوم عقبة بن أبي معيط ففعل ذلك إلى فاطمة الخبر وهي التي كانت في بيته عليه الصلاة والسلام فتحركت - وكانت صغيرة في السن - فذهبت فألقت ذلك عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ونظفته وطيبته ، فما رفع رأسه من السجود إلا بعد أن فعلت ذلك .. كانت ترى صناديد قريش وهم يتعرضون له عليه الصلاة والسلام بالأذى القولي والفعلي وتحتمل ذلك ، وترى في صبر النبي عليه الصلاة والسلام قدوتها وأسوتها رضي الله عنها وأرضاها ، ثم ماذا ؟ مرّت مع النبي صلى الله عليه وسلم بحصار الشعب الظلوم ، عاشت ثلاث سنوات من أشد وأقسى السنوات التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته والمسلمين معه ، حتى أكلوا ورق الشجر ، وحتى قرحت أشداقهم وحتى روى سعد رضي الله عنه: أنه ذهب يتبول قال: فإذا أنا أسمع قعقعة فأخذتها فإذا هي شن - يعني قطعة من جلد - قال: " فأخذتها فدققتها فسفتها فكانت قوتي أياما " .. هكذا كانوا وكانت فاطمة البنت الرقيقة الصغيرة الفتية في عمرها .. صبرت واحتملت ومرت بهذه الظروف العصيبة وشظف العيش وشدته ، تتأسى بأبيها عليه الصلاة والسلام ثم ماذا من بعد؟
الثاني: فقد الأم العظيمة عام سماه أهل السير : " عام الحزن " كان من أشد ما مرّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن فقد زوجته خديجة أم المؤمنين - رضي الله عنها - الحبيبة إلى قلبه ، المواسية له ، المؤزرة والمساندة له - عليه الصلاة والسلام - وكان ذلك عظيما على أصغر البنات التي لم تكن تزوجت بعد وهي فاطمة رضي الله عنها صبرت واحتسبت ومضت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثالث: في معاناة الهجرة الحزينة يوم هاجر رسول الله - عليه الصلاة والسلام -لم يصحب معه أبناءه ثم من بعد أرسل أبا رافع - مولاه - فأخذ زينب وفاطمة - رضي الله عنهما - ولحق بهم الحويرث الأشقى فنخز بعيرهما وآذاهما فسقطتا من عليه ، وقد وهت أجسادهما وكانتا ضعيفتين ، وهذا هو الذي أعلن النبي عليه الصلاة والسلام عن نفر يوم فتح مكة أن يقتلوا ولو كانوا معلقين بأستار الكعبة ، ومنهم الحويرث لما فعل ببنات رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومضت هذه الفتاة في ريعان شبابها - ما زالت في الخامسة عشرة من عمرها - تحتمل ل هذه الصعاب بإيمان عظيم ، وصبر جليل ، واحتساب للأجر عند الله سبحانه وتعالى ، ومواصلة على الطريق دون جزع ولا تراجع ولا تضعضع ولا ضعف بحال من الأحوال ثم ماذا بعد ذلك؟
خامسا: موت الإخوة والأخوات إخوانها جميعاً ماتوا .. إبراهيم والقاسم وعبد الله أبناء النبي عليه الصلاة والسلام ، ومن بعد ذلك أخواتها واحدة إثر الأخرى وهي تشيع وتدفن - رضي الله عنها وأرضاها - والحزن يملأ قلبها فينصب على يقينها وإيمانها فإذا بها ترضى بقضاء الله وقدره لكن ذلك أمره عظيم. ثم ما ورد في بعض الروايات أنها شهدت أُحداً ، وكان لها فيها شيء من المشاركة ، ورأت ما رأت مما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم شج رأسه ودمي وجهه ودخلت حلقتا المغفر في وجنتيه وقال عليه الصلاة والسلام: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ). ثم كان المصاب الأعظم الذي لم تتماسك بعده حتى أدركتها منيتها وحانت وفاتها .. ذلك الحدث فقد الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم يوم قالت فاطمة رضي الله عنها عندما زارت النبي صلى الله عليه وسلم: واكرب أباه ! فقال عليه الصلاة والسلام: لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة ، ثم لما قضى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: " واأبتاه إلى جبريل نعاه ، جنة الخلد مأواه " ، ثم لما دفن - عليه الصلاة والسلام - قالت لأنس كما في الصحيح: " يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – التراب ؟ " ، وفي بعض الروايات : أنها ما رؤيت مبتسمة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
وسنرى الآن في بعض فضائلها ما جاء في هذه القصص العظيمة فكانت صابرة - رضي الله عنها - صبراً عظيماً ، يدلنا على ما ينبغي أن تتحلى به النساء المؤمنات من الصبر والاحتمال فيما يعرضن له في طاعة الله - سبحانه وتعالى - والثبات على هذا الدين لا أن يكون ذلك برقّة وضعف وخور كما نرى نسأل الله - عز وجل - السلامة .
أما الفضائل فكثيرة ولعلنا نقف فيا وقفات بقدر ما يكفينا في هذا الوقت في الصحيح من رواية عائشة : كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده -لم يغادر منهن واحدة - فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآها رحّب بها وقال: (مرحبا بابنتي) ثم أجلسها عن يمينه أو عن يساره ، ثم سارها - يعني أسر إليها كلاما - فبكت رضي الله عنها ، ثم سارها مرة أخرى فضحكت ، فقالت عائشة: خصك رسول الله من بين نسائه بالسرار ثم أنت تبكين، ثم قالت: ما قال لك؟ قالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فلما توفي رسول الله قالت لها عائشة: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما حدثتني ما قال لك رسول الله، قالت: أما الآن فنعم، أما حين سارني المرة الأولى فأخبرني أن جبريل - عليه السلام - كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة وأنه عارضه الآن مرتين ، وإني لأرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإنه نعم السالف أنا لك .. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت فلما رأى جزعي سارني ثانية فقال: يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت . وفي رواية عائشة أيضا في لفظ آخر: لما رآها استبشر وتهلل فسارّها فبكت ثم ضحكت ، فقالت عائشة: ما رأيت كاليوم أقرب فرحا من بكاء ثم سألتها، وقالت في رواية ثالثة: إن كنت لأرى هذه ـ يعني فاطمة ـ لأعقل نسائنا فإذا هي امرأة من النساء ، يعني كنت أظنها ذات جلد فلما رأتها تضحك وتبكي قال: هذه المرأة من النساء ليس عندها شيء مختلف ، فلما علمت بذلك عرفت بهذا ، وفي رواية: فبكيت قال: ( أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة ؟ وأنك أول أهلي لحوقاً بي؟ ) فضحكت وهذا عند البخاري ومسلم.
وكان الأمر كذلك كما سيأتي في وفاة فاطمة - رضي الله عنها - وهذا الحديث روي روايات كثيرة منها رواية الترمذي وفيها: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يموت فبكيت ، ثم أخبرني أني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران فضحكت، وفي هذا الحديث كما قلنا روايات مختلفة ورواية حذيفة عند الترمذي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: ( هذا ملك نزل من السماء لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلّم علي وأن يبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) أخرجه الترمذي وحسنه.
وعندنا رواية في الفضائل وسيأتي ذكرها باختصار فيما هو من الشبهات والأخطاء هي رواية عند البخاري ومسلم ، وكذلك عند أبي داود والترمذي من حديث المسور بن مخرمة لما ذكر في هذه القصة: أن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل يريد أن يتزوجها على فاطمة فسعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يقول المسور يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم، فقال: ( إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها ) ، ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس ثم قال: (وإني لست أحرّم حلالاً ، ولا أحلّ حراماً ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً ) ، وفي الرواية الأخرى في ذلك كثير من الألفاظ قال: (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني ) وقال: (يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها ) وهذا الحديث أيضا من فضائلها رضي الله عنها وأرضاها.
ومن ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وفاطمة سيدة نسائهم إلا ما كان من مريم بنت عمران) وهذه الروايات كثيرة في فضائلها رضي الله عنها ومما ذكره الترمذي أيضا قال عليه الصلاة والسلام في شأن قصة خطبة علي أو إرادته خطبة بنت أبي جهل قال: ( إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم عليا بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن ، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ؛ فإنها بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها ) قال الترمذي : حديث حسن صحيح. وقد مر بنا بعض الأحاديث التي فيها فضائل لفاطمة رضي الله عنها وأرضاها ووقفتنا الأخيرة بل ذكر وفاة فاطمة رضي الله عنها.
وقفة مع المعارف ومع الأوهام الخاطئة ومع الأفكار الزائغة التي تشوه علينا هذه الصورة المشرقة الوضاءة في سيرة وتعامل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض هذه الأوهام التي وردت بها النصوص ، وأخذها بعض الناس مآخذ تبعد عن فهم حقيقة إيمان الصحابة وفضيلتهم رضي الله عنهم وأرضاهم . ومن ذلك ما هو مشهور في الحديث الصحيح عند البخاري أن عائشة روت ذلك أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبيها سألت أبا بكر ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ديناراً ولا درهماً ما تركناه صدقة) ، فغضبت فاطمة وعاشت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، والحديث عند البخاري في الصحيح وقد أورده بألفاظ مخلفة كثيرة. وبعض الناس أخذوا هذا مآخذ شتى وجعلوه خصومة بين أبي بكر - رضي الله عنه - وبين فاطمة - رضي الله عنها - وبين عائشة رضي الله عنها وبين عمر رضي الله عنهم أجمعين .. فما فقهوا فقه الإيمان ؟ وما عرفوا كيف كان أولئك النفر من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ؟ ونحن قد رأينا ما روت عائشة في فضائل فاطمة وما كانت تلمحه وتدركه من شبهها برسول الله - عليه الصلاة والسلام - ومحبته لها عليه الصلاة والسلام.
وأما هذا فقد ذكر العلماء فيه إيجازا للقول ؛ لأن المقام يقصر عن التفصيل أن هذا أخذ فيه أبو بكر بسنة وحكم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن فاطمة كانت متأولة كانت تظن أن هذا الحديث لا يدخل فيما أفاء الله عليه من الأراضي كأرض فدك وخيبر وغيرها .. وهذا من حزنها على أبيها ؛ فإنها لم تمتنع حتى عن أبي بكر فحسب بل كانت في حال في غالبه بعيدة عن الناس وعن مؤانستهم لما عظم من حزنها على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كانت أول أهله لحوقاً به كما ذكر عليه الصلاة والسلام.
وهذه الروايات يذكرها ابن حجر ويبين معانيها في الفتح يقول فيما رواه أحمد وأبو داود قال: أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله؟ قال: بل أهله، قالت: فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده) فرأيت أن أرده على المسلمين، قالت: فأنت وما سمعته. قال هذا لا يعارض ما في الصحيح من صريح الهجران ولا يدل على الرضا ، ثم ذلك فيه لفظة منكرة ، ثم بعد ذلك روى ذكر رواية الشعبي عند البيهقي: أن أبا بكر زارها فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن عليك؟ قالت: أ تحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له فدخل عليها فترضاها حتى رضيت. قال ابن حجر : وهو وإن كان مرسل فإسناده إلى الشعبي صحيح ، وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة في هجر أبي بكر . وقال بعض الأئمة: إنما كان هجرها انقباضاً عن لقائه والاجتماع به ، وليس ذلك من الهجران المحرم إنما شرطه أن يلتقيا فيعرض هذا ويعرض هذا وكأن فاطمة لما خرجت رضي الله عنها من عند أبي بكر رضي الله عنه تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها ، وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحدث فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر ، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله: (لا نورث) ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه وتمسك أبو بكر بالعموم رضي الله عنه. فهل في مثل هذا الفقه ما يثيره أولئك القوم من هذه الفتن والمحن التي يجترئون بها على مقام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذمون من ثبت القرآن بمدحهم والثناء عليهم ؟
ونحن نعرف في هذا أقوالا كثيرة ، حتى إن ابن حجر رحمه الله أفاض فيها وذكرها ، ومن ذلك في هذا السياق ما ذكر في الصحيح أيضا : أنه لما ماتت فاطمة - رضي الله عنها - دفنها علي ليلاً ولم يعلم بها أبا بكر فقالوا ذلك خصومة ، وذلك إرادة أن لا يصلي عليها أبو بكر وغير ذلك ، لكن ماذا قال أهل العلم؟ قالوا: وكان ذلك بوصية منها لإرادة الزيادة في التستر ولعله – أي علي - لم يُعلم أبا بكر بموتها ؛ لأنه ظن أن ذلك لا يخفى عليه وليس في الخبر ما يدل على أن أبا بكر لم يعلم بموتها ولا صلى عليها. وأيضا لما جاء وبايع كان الناس قريباً منه ورجع إلى المعروف رضي الله عنه وأرضاه بعد موت فاطمة أعلن بيعته وإن كان لم يكن في تركه للبيعة شق عصا ولا مخالفة ولا إبطال لهذه البيعة ، لكنه راعى شعور فاطمة وحزنها وانشغل بها ، فلما قضى الله ذلك الأمر قال المازني رحمه الله: العذر لعلي في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفيه بيعة الإيمان أن يقع من أهل الحل والعقد ولا يجب الاستيعاب ولا لزم كل أحد أن يحضر عنده ويضع يده بيده بل يكفي التزام طاعته والانحياد له ، بأن لا يخالفه ولا يشق العصا عليه وهذا كان حال علي لم يقع منه إلا التأخر عن الحضور عند أبي بكر وقد ذكر سبب ذلك. أما في هذه الرواية وهي في البخاري : كراهية حضور عمر ، قالوا: لأن عمر كان رجلاً صلباً شديداً ، فخشوا من أن يكون فيه المعاتبة وشدة القول في الأخذ والرد ، وهم كانوا يريدون المصافاة ، حتى لما أراد أن يذهب قال: لا تذهب إليهم، قال: وما عساهم أن يفعلوا بي؟ فقال علي رضي الله عنه في سياق هذا الحديث كلاماً نفيساً ، وقال أبو بكر كلاماً كذلك ، وفي رواية البخاري: فتشهد علي قال: أشهد أن لا إله إلا الله واستفتح الكلام قال: إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك ولكنك استبددت علينا بالأمر ، وفي شرح ذلك: قالوا: إن علياً كان يرى أن بعض الأمور كان ينبغي أن يشهدها ويستشار فيها وأبو بكر رضي الله عنه كان يرى جزم الأمر والإسراع فيه لئلا ينفرط الحبل ، وعلي شغل برسول الله عليه الصلاة والسلام وبفاطمة من بعده ولم يكن إلا ذلك قال: وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيباً، استمعوا لرواية البخاري قال: حتى فاضت عينا أبي بكر بكاء رضي الله عنه فلما تكلم قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آلو فيه عن الخير ، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه إلا صنعته ، فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، فلما صلى أبو بكر الظهر رقى على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه ثم استغفر .. وتشهد علي فعظّم حق أبي بكر وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفسية على أبي بكر ولا إنكارا للذي فضّله الله به ، ثم قال : " ولكنا نرى لنا نصيبا فاستبد علينا فوجدنا في أنفسنا فسر بذلك المسلمون وقالوا: أصبت ، وكان المسلمون إلى علي قريبا حين راجع المعروف ". فهل في هذا النص ما يقوله القائلون وما يرجف به المرجفون وما يقوله الذين أفسدوا على الناس مقام مكانة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينبغي أن يكون حالهم إن كان الناس يبرئون أنفسهم من مثل هذه الشحناء فكيف بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام
سيرة كـــــامله ومفصله لــــ\\ فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ...